مصر هبة النيل الذى قدسه الفراعنة باسم حعبى أى فيض البركات الإلهية الذى ينبع من الجنة

مصر,نهر النيل,الحكومة,الأولى,الأرض,الميلاد,البيئة,الزراعة,الفراعنة,مياه

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
يمنى أباظة تكتب:  النيل شريان الحياة

يمنى أباظة تكتب:  النيل شريان الحياة

مصر هبة النيل الذى قدسه الفراعنة باسم "حعبى" أى فيض البركات الإلهية الذى ينبع من الجنة وينقل خيرات مناجم أرضها لتحيا أرض مصر المقدسة.. أرض الإله "جب  بتاه" وهو الاسم الذى ما زالت تحتفظ به إلى يومنا هذا، أما اسم النيل الذى حفظناه كما رواه لنا المؤرخون والكتاب نقلا عن المؤرخ الإغريقى هيرودوت الذى زار مصر فى القرن الخامس قبل الميلاد وانبهر بالنهر العظيم فأطلق عليه اسم نيلوس حتى أصبح النيل فى اعتقادنا أنه مستورد من بلاد الإغريق، بينما إذا سألنا أجدادنا أصحاب النيل عن اسمه لقالوا لنا إن اسمه الذى سجلناه فى برديات التاريخ واحتفظت به كتب العقيدة ومتونها من عصور ما قبل الأسرات أى قبل ميلاد هيرودوت بستة آلاف عام، سجلت معابد الصعيد اسمه "ال نيل" و"ال" معناه النهر ونيل معناها الأزرق، أى النهر الأزرق نسبة إلى لون مائه الصافى الذى يعكس زرقة السماء التى تمده بماء الحياة.

بينما فى الدلتا حيث يتفرع النهر إلى عدة أنهار فقد أطلقوا عليه اسم "نى ال أو" فالنون للتعريف و"ال" النهر و"الواو" للجمع فاسمها "نيلو" معناه الأنهار وهو الاسم الذى التقطه هيرودوت من أهالى الدلتا عندما سألهم عن اسمه وأضاف إليه حرف السين الإغريقية، الأرض والنيل والإنسان.. ثالوث عبر به الإنسان المصرى القديم عن كيان وجوده وعلاقته بكل من الأرض ونهر الحياة، عبّر عنه بكثير من أساطير الخلق والأساطير الشعبية التى يرددها فى مختلف المناسبات، ومن أقدم تلك الأساطير وأعظمها أسطورة أوزوريس ومولد نهر الحياة وهى من أساطير الخلق ذات الأبعاد الفلسفية العميقة ففى التصور والتفكير والتى تصور واقع العلاقة بين الأرض والنيل والإنسان المصرى فى الماضى والحاضر والمستقبل.. مستقبل كيان الإنسان وارتباطه بنهر الحياة.

تبدأ أسطورة مولد النيل بقولها: "أرسل الإله الأعظم رب السماوات المعبود أوزوريس أحد ملائكة العرش الثمانية.. أرسله إلى الأرض ثلاث مرات. أرسله فى المرة الأولى على شكل بشر "آتوم" لينشر البشر على أرض مصر الخاوية ليملأها بالشر. وأنزله فى المرة الثانية فى صورة ملاك ليشق مجرى نهر النيل، ليمده فيه الإله بماء الحياة التى تنبع من الجنة. ثم أرسله فى المرة الثالثة فى صورة رسول ليحمل رسالة توحيد الإله الخالق إلى أبناء أرضه المقدسة التى أحياها بالنيل ليربط الأرض بالسماء.

وبعدما قام أوزوريس بإتمام المهام الثلاثة كلفه الإله بتحقيق ثالوث كيان الخلق، ثالوث الأرض والنيل والإنسان والتصدى لثالوث الفناء، ثالوث الفقر والجهل والمرض، فثالوث الأرض والنيل والإنسان وهو ثالوث الحضارة المصرية قاعدة بفضلها تكون وحدة المجتمع الحضارى بنظامه الإدارى أول نظام عرفته البشرية. تأثر المصرى القديم بما لا يقبل الشك بمقومات البيئة التى هيمن عليها النيل نهر الحياة، لقد واجه النيل أهل مصر منذ القدم بمشكلتين رئيسيتين هما الطرح والنفع المشترك، تحدث أولاهما عندما يأتى النيل بفيضانه العالى فيهلك الحرث والنسل ما لم تتضافر جهود الناس ويتعاونوا على دفع هذا الخطر الشامل بتقوية الجسور وحمايتها وإقامة القرى ومساكنها على تلال طبيعية وصناعية يجعلها بمنأى  عن ذلك الخطر، كما تمثلت المشكلة الثانية فى الفائدة المشتركة والمنفعة العامة التى تعود على المجموعة عندما تتضافر جهود أهلها للاستفادة من مياه النيل استفادة عملية بشق الطرق وتنظيم اندفاع المياه لتوصيلها إلى الحقول البعيدة عن شاطئيه وحفر البرك والمستنقعات لتخزين المياه اللازمة لخدمة سكان القرى لتربية الأسماك والطيور والماشية اللازمة لغذاء القرية وقد نسب الفراعنة فى بردياتهم المقدسة وكتب العقيدة إلى أوزوريس وكتاب السماء الفضل فى كل ما تعلموه لإرضاء نهر النيل من مشروعات الرى وحفر الترع وتخزين المياه وهو ما رددته الكتب السماوية الأخرى عندما ذكرت أن النبى إدريس عليه السلام علم الناس الزراعة والرى والقراءة ولبس المخيط..

وهكذا كان النيل بخواصه من أهم العوامل التى فرضت على المصرى الأول القديم الأخذ بالنظام والطاعة والتعاون الاجتماعى والاقتصادى لمواجهة مطالب الحياة كما ختم ذلك النظام على كل مجموعة أن تدين بالولاء لقائد يدير شئونها ويوجه جهودها وينظم تعاونها وهكذا كانت الحكومة ضرورة من ضروريات الحياة الاجتماعية فى مصر وجعلتها حاجة ماسة للسكان منذ انبثق فجر الحياة الزراعية المستقرة فى البلاد. وهكذا كان الفضل لأوزوريس فى البناء الاجتماعى والاقتصادى لأبناء مصر بتوثيق العلاقة بين أضلاع ثالوث الأرض والنيل والإنسان، أما ثالوث الفناء الذى عبروا عنه بالفقر والجهل والمرض فقد قام أوزوريس بمواجهته والقضاء عليه كما وصفته الأسطورة بأنه قضى على الفقر برى الأرض بمياه الحياة وإخصابها بطمى النيل "تمو" الذى يرسله الإله فى عيد وفائه بوعده وهو من خيرات الجنة التى يحملها الفيضان عند مطلع كل عام فتمده الأرض بغذاء بطنه من القمة.

عاش نهر النيل فى حياتنا.. عاش للأبد وحفظه الله لنا.